فصل: بلقوار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 بتم

حصن منيع بناحية فرغانة‏.‏به معدن الذهب والفضة والنوشاذر الذي يحمل إلى سائر البلاد‏.‏

وهو في جبل شبه غار قد بني عليه بيت يستوثق من بابه وكواه يرتفع منه بخار شبيه بالدخان في النهار وبالنار في الليل فإذا تلبد هذا البخار يكون منه النوشاذر ولا يتهيأ لأحد أن يدخل هذا البيت من شدة حره إلا أن يلبس لبوداً يرطبها بالماء ثم يدخله كالمختلس فيأخذ ما يقدر عليه ويسرع الخروج‏.‏

 بجانة

مدينة بالأندلس بقرب المرية‏.‏بها جمة غزيرة الماء يقصدها الزمنى ويسكنون بها وأكثر من يواظب عليها يبرأ من زمانته‏.‏

وبها فنادق مبنية بالحجارة لسكان قاصدي تلك الجمة وربما لم يوجد بها المسكن لكثرة قاصديها‏.‏

وعلى الجمة بيتان‏:‏ أحدهما للرجال وهو على الجمة نفسها والآخر للنساء يدخله الماء من بيت الرجال‏.‏

وقد بني بيت ثالث مفروش بالرخام الأبيض يأتيه الماء من قناة ويختلط بماء الجمة حتى يصير فاتراً ويدخله من لا يستطيع دخول ماء الجمة وتخرج فضلتها تسقي الزروع والأشجار‏.‏

بخارى مدينة عظيمة مشهورة بما وراء النهر قديمة طيبة‏.‏

قال صاحب كتاب الصور‏:‏ لم أر ولا بلغني أن في جميع بلاد الإسلام مدينة أحسن خارجاً من بخارى‏.‏

بينها وبين سمرقند سبعة أيام وسبعة وثلاثون فرسخاً هي بلاد الصغد أحد متنزهات الدنيا‏.‏

ويحيط ببناء المدينة والقصور والبساتين والقرى المتصلة بها سور يكون اثني عشر فرسخاً في مثلها بجميع الأبنية والقصور والقرى والقصبة فلا يرى في خلال ذلك قفار ولا خراب ومن دون ذلك السور على خاص القصبة وما يتصل بها من القصور والمحال والبساتين التي تعد من القصبة ويسكنها أهل القصبة شتاء وصيفاً سور آخر نحو فرسخ في مثله ولها مدينة داخل هذا السور يحيط بها سور حصين‏.‏

روى حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ستفتح مدينة خلف نهر يقال له جيحون يقال له بخارى محفوفة بالرة ملفوفة بالملائكة منصور أهلها النائم فيها على الفراش كالشاهر سيفه في سبيل الله‏.‏

وخلفها مدينة يقال لها سمرقند فيها عين من عيون الجنة وقبر من قبور الأنبياء وروضة من رياض الجنة يحشر موتاها يوم القيامة مع الشهداء‏.‏

وفي الحديث‏:‏ أن جبريل عليه السلام ذكر مدينة يقال لها فاخرة وهي بخارى فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لم سميت فاخرة فقال‏:‏ لأنها تفخر يوم القيامة على المدن بكثرة شهدائها‏.‏

ثم قال‏:‏ اللهم بارك في فاخرة وطهر قلوبهم بالتقوى واجعلهم رحماء على أمتي‏!‏ فلهذا يقال‏:‏ ليس على وجه الأرض أرحم للغرباء منهم‏.‏

ولم تزل بخارى مجمع الفقهاء ومعدن الفضلاء ومنشأ علوم النظر‏.‏

وكانت الرئاسة في بيت مبارك يقال لرئيسها خواجه إمام أجل‏.‏

وإلى الآن نسلهم باق ونسبهم ينتهي إلى عمر بن عبد العزيز بن مروان وتوارثوا تربية العلم والعلماء كابراً عن كابر يرتبون وظيفة أربعة آلاف فقيه ولم تر مدينة كان أهلها أشد احتراماً لأهل العلم من بخارى‏.‏

ينسب إليها الشيخ الإمام قدوة المشايخ محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح الذي هو أقدم كتب الأحاديث‏.‏

كان وحيد عصره وفريد دهره‏.‏

حكي انه لما جمع هذا الكتاب بحسنه وصحته أراد أن يسمع منه أحد حتى يروي عنه بعد موته فما كان أحد يوافقه أن يسمع منه ذلك حتى ذهب إلى شخص يعمل طول نهاره على بقر فقال له‏:‏ أنا أقرأ هذا الكتاب وأنت تسمعه مني فلعله ينفعك بعد ذلك‏!‏ وكان الشيخ يقرأ كتاب الصحيح والبقر يعمل والفربري يسمع منه حتى أسمعه جميع الكتاب‏.‏

فلهذا ترى كل من يروي صحيح البخاري تكون روايته عن الفربري‏.‏

وينسب إليها أبو خالد يزيد بن هارون‏.‏

كان أصله من بخارى ومقامه بواسط العراق‏.‏

حكى عاصم بن علي أن يزيد بن هارون كان إذا صلى العشاء لا يزال قائماً حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء وداوم على ذلك نيفاً وأربعين سنة‏.‏

وحكى أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال‏:‏ كنت عند أحمد بن حنبل وكان عنده رجل قال‏:‏ رأيت يزيد بن هارون فقلت‏:‏ يا أبا خالد ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي وشفعني وعاتبني‏!‏ فقلت له‏:‏ فيم عاتبك قال‏:‏ قال لي يا يزيد أتحدث عن جرير بن عثمان فقلت‏:‏ يا رب ما علمت منه إلا خيراً‏!‏ فقال‏:‏ إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

وحكى آخر قال‏:‏ رأيت ابن هارون في المنام فقلت له‏:‏ هل أتاك منكر ونكير قال‏:‏ إي والله ‏!‏ وسألاني‏:‏ من ربك وما دينك ومن نبيك فقلت‏:‏ ألمثلي يقال هذا وأنا يزيد بن هارون اعلم الناس هذا سبعين سنة فقال‏:‏ صدقت نم نومة العروس‏!‏ توفي يزيد بن هارون بواسط سنة ست ومائتين عن سبع وثمانين سنة‏.‏كورة بين أران وآذربيجان كثيرة الضباب قلما تصحو السماء بها منها كان مخرج بابك الخرمي في أيام المعتصم بالله‏.‏

بها موقف رجل لا يقوم أحد فيه يدعو الله تعالى إلا استجيب له‏.‏

ومنها يتوقعون خروج المهدي وذكر أن تحتها نهراً عظيماً إن اغتسل فيه صاحب الحمى العتيقة ذهبت حماه‏.‏

 برذعة

مدينة كبيرة بأران أكثر من فرسخ في فرسخ‏.‏أنشأها قباذ الملك وهي خصبة نزهة كثيرة الثمار‏.‏

وبها القرنفل والبندق والشاهبلوط وبها صنف من الفواكه يقال له الدرقال على قدر الغبيراء حلو الطعم لا يوجد في شيء من غير هذا الموضع‏.‏

وبقربها نهر الكر يصاد منه الشورماهيج ويحمل منها إلى سائر البلاد‏.‏

وبها بغال فاقت بغال جميع النواحي في حسنها وصحة قوائمها‏.‏

وبها سوق الكركي يقام كل يوم أحد على باب الأكراد مقدار فرسخ في فرسخ يجتمع الناس إليه من كل وجه وأوب للتجارة وهذه كانت صفتها القديمة وأما الآن فاستولى عليها الخراب إلا أن آثار الخير بها كثيرة‏.‏

وبأهلها صعلكة ظاهرة ومثل هذا يذكر للاعتبار‏.‏

فسبحان من يحيل ولا يحال ويزيل ولا يزال‏.‏مدينة بالأندلس بقرب جيان كثيرة الخيرات‏.‏

بها بركة تعرف بالهوتة فيها ما بين وجه الماء إلى الأرض نحو قامة لا يعرف لهذه البركة قعر أصلاً‏.‏

قال أحمد بن عمر العذري‏:‏ بين بسطة وبياسة غار يسمى بالشيمة لا يوجد قعره‏.‏

وبناحية بسطة جبل يعرف بجبل الكحل إذا كان أول الشهر برز من نفس الجبل كحل أسود ولا يزال كذلك إلى منتصف الشهر فإذا زاد على النصف نقص الكحل ولا يزال يرجع إلى آخر الشهر‏.‏

 بلقوار

قرية من قرى تدمير بأرض الأندلس‏.‏بها حمة شريفة حسنة عليها ديماس للرجال وآخر للنساء وأصل العين في ديماس الرجال يخرج منها ماء غزير يفضل عن حاجة الديماسين ويسقي زرع القرية‏.‏

 بلنسية

مدينة قديمة بأرض الأندلس ذات خطة فسيحة جمعت خيرات البر والبحر والزرع والضرع طيبة التربة ينبت بها الزعفران ويزكو بها ولا ينبت في جميع أرض الأندلس إلا بها كأرض روذراور بأرض الجبال‏.‏مدينة بالأندلس متقنة البناء بالحجر الأبيض المهندم قالوا‏:‏ إنها من بناء الجن بنوها لسليمان بن داود عليه السلام من عجائبها أن لا يرى بها حية ولا عقرب ولا شيء من الهوام المؤذية‏.‏

حكى محمد بن عبد الرحمن الغرناطي أن برستاقها صنفاً من العنب وزن الحبة منه عشرة مثاقيل‏.‏

 بيلقان

مدينة كبيرة مشهورة ببلاد أران حصينة ذات سور عال بناها قباذ الملك قالوا‏:‏ ليس بها ولا في حواليها حجر واحد‏.‏

ولما قصدها التتر ورأوا حصانة سورها أرادوا خرابه بالمنجنيق فما وجدوا حجراً يرمى به الحائط‏.‏

ورأوا أشجاراً من الدلب عظاماً قطعوها بالمناشير وتركوا قطاعها في المنجنيق ورموا بها السور حتى خربوا سورها ونهبوا وقتلوا والآن عادت إلى عمارتها‏.‏

ينسب إليها مجير البيلقاني‏.‏

كان رجلاً فاضلاً شاعراً وصل إلى أصفهان وذكر في شعر له أن أهل أصفهان عمي فسمع رئيس أصفهان ذلك وأمر لكل شاعر في أصفهان أن يقول فيه شيئاً ففعلوا فجمعها في مجلد وبعثه إليه‏.‏اسم جامع لجميع بلاد الترك وحدها من الإقليم الأول ضارباً في المشرق عرضاً إلى الإقليم السابع وأكثرهم أهل الخيام ومنهم أهل القرى وسنذكر بلادهم وقبائلهم في الإقليم السادس إن شاء الله تعالى وإنهم سكان شرقي الأقاليم كلها من الجنوب إلى الشمال ممتازة عن جميع الأمم بكثرة العدد وزيادة الشجاعة والجلادة وصورة السباع عراض الوجوه فطس الأنوف عبل السواعد ضيقو الأخلاق والغالب عليهم الغضب والظلم والقهر وأكل لحوم الحيوانات لا يريدون لها بدلاً ولا يراعون فيها نضجاً ولا يرون إلا ما كان اغتصاباً كما هي عادة السباع‏.‏

وليس عيشهم إلا شن غارة أو طلب ظبي نافر أو طير طائر حتى إذا ظن بهم الكلال رأيتهم على نشاطهم الأول في ركض الخيل وتسلم الجبال‏.‏

وحسبك ما ترى من كبر همتهم أن أحدهم إذا سبى لا يرضى أن يكون زعيماً أو متقدماً لعسكر سيده بل يريد انتزاع الملك من سيده والقيام مقامه‏.‏

حكى بعض التجار قال‏:‏ خرج من خوارزم قفل عظيم فلما ذهبوا أياماً وبعدوا عن خوارزم ساروا ذات يوم فلما نزل القوم رأوا مماليكهم الترك خرجوا عن وسط القوم وكان عددهم أكثر من عدد التجار يرمون القوم بالنشاب‏.‏

قالوا‏:‏ ما شأنكم قالوا‏:‏ نريد نقتلكم ونأخذ هذه الأموال نشتري منها الخيل والسلاح ونمشي إلى خدمة السلطان‏!‏ فقال القوم لهم‏:‏ أنتم لا تحسنون بيع هذا القماش فاتركوه معنا حتى نحسن نشتري لكم منها الخيل والسلاح ونجعل أحدكم أميراً وتمشون إلى خدمة السلطان‏!‏ فخدعوهم وبعثوا إلى خوارزم من يخبر شحنة خوارزم بالحال فما كان إلا أيام قلائل حتى وصل الشحنة‏.‏

قبض على المماليك ورد القفل إلى خوارزم وصلب المماليك ونادى في خوارزم أن لا يشتري من التجار أحد مملوكاً رجلاً‏!‏ وحسبك من غلبتهم في الأمور وصعوبة جانبهم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اتركوا الترك ما تركوكم‏!‏ والترك ليسوا من الديانات في شيء فمنهم عبدة الكواكب ومنهم عبدة النيران ومنهم من على مذهب النصارى ومنهم مانوية ومنهم ثنوية ومنهم سحرة وصنعتهم الحرب والطعن والضرب الذي هو صنعة المريخ فإنه صاحبهم‏.‏

وحكي أن هشام بن عبد الملك بعث رسولاً إلى ملك الترك يدعوه إلى الإسلام قال الرسول‏:‏ دخلت عليه وهو يتخذ بيده سرجاً‏.‏

قال للترجمان‏:‏ من هذا فقال‏:‏ إنه رسول ملك العرب‏.‏

فأمرني إلى بيت كثير اللحم قليل الخبز ثم بعد أيام استدعاني وقال‏:‏ ما بغيتك فتلطفت له وقلت‏:‏ إن صاحبي يريد نصيحتك ويرى أنك في ضلال يريد أن تدخل في دين الإسلام‏!‏ فقال‏:‏ ما الإسلام فأخبرته بأركانه وشرائطه وحلاله وحرامه فتركني أياماً ثم ركب ذات يوم مع عشرة أنفس ومع كل واحد لواء وحملني معه فمضينا حتى صعدنا تلاً وحول التل غيضة‏.‏فلما طلعت الشمس أمر واحداً من أولئك أن ينشر لواءه ففعل فوافى عشرة آلاف فارس متسلحين ثم أمر غيره فما زال واحد بعد واحد ينشر لواءه ويأتي عشرة آلاف حتى صار تحت التل مائة ألف مدجج‏.‏

ثم قال للترجمان‏:‏ قل لهذا الرسول ارجع إلى صاحبك وأخبره أن هؤلاء ليس فيهم إسكاف ولا حجام ولا خياط فإذا أسلموا والتزموا الشرائط للإسلام فمن أين مأكلهم وحكى داود بن منصور الباذغيسي وكان رجلاً صالحاً قال‏:‏ اجتمعت بابن ملك الغز فوجدته رجلاً ذا فهم وعقل وذكاء واسمه لقيق بن جثومة وقلت له‏:‏ بلغنا أن الترك يجلبون المطر والثلج متى شاءوا كيف سبيلهم إلى ذلك فقال‏:‏ الترك أحقر وأذل عند الله تعالى من أن يستطيعوا هذا الأمر والذي بلغك حق وأنا أحدثك به‏:‏ بلغني أن بعض أجدادي راغم أباه وكان أبوه ملكاً فاتخذ لنفسه أصحاباً وموالي وغلماناً وسار نحو المشرق يغير على الناس ويصيد ما ظهر له فانتهى به المسير إلى موضع ذكر أهله أن لا مسير له بعده وكان عندهم جبل تطلع الشمس من ورائه وتحرق كل شيء وقعت عليه وكان سكانها في الأسراب تحت الأرض والغيران في الجبال بالنهار‏.‏

وأما الوحش فتلتقط حصى هناك قد ألهمها الله تعالى معرفتها فتأخذ كل وحشية حصاة في فيها وترفع رأسها إلى السماء فتظلها غمامة عند ذلك تحجب بينها وبين الشمس قال‏:‏ فقصد أصحاب جدي حتى عرفوا ذلك الحجر فحملوا من معهم ما قدروا إلى بلادنا فهو معهم إلى الآن‏.‏

فإذا أرادوا المطر حركوا منه شيئاً فينشأ الغيم ويوافي المطر وإن أرادوا الثلج زادوا في تحريكها فيوافيهم الثلج والبرد فهذه قصة المطر والحجر وليس ذلك من حيلة الترك بل من قدرة الله تعالى‏!‏ وحكى إسماعيل بن أحمد الساماني وكان ملكاً عادلاً غازياً قال‏:‏ غزوت الترك ذات مرة في عشرين ألف فارس من المسلمين فخرج علي منهم ستون ألفاً في السلاح الشاك فواقعتهم أياماً وإني ليوماً في قتالهم إذ جاءني قوم من مماليكي الأتراك وقالوا‏:‏ إن لنا في معسكر الكفار قرابات وقد أنذرونا بموافاة فلان وأنه ينشيء السحاب والمطر والثلج والبرد وقد عزم أن يمطر علينا غداً برداً عظيماً لا يصيب الإنسان ألا يقتله فانتهرتهم وقلت‏:‏ هل يستطيع هذا أحد من البشر فلما كان الغد وارتفع النهار نشأت سحابة عظيمة من جبل كنت مستنداً إليه بعسكري ولم تزل تتنشر حتى أظلت عسكري فهالني سوادها وما رأيت فيها من الهول وما سمعت من الأصوات المزعجة فعلمت أنها فتنة فنزلت عن دابتي وصليت ركعتين والعسكر يموج بعضهم في بعض ثم دعوت الله تعالى معفراً وجهي بالتراب وقلت‏:‏ اللهم أغثنا فإن عبادك يضعفون عن محنتك‏!‏ وإني أعلم أن القدرة لك وان النفع والضر لا يملكهما إلا أنت‏!‏ اللهم إن هذه السحابة إن أمطرت علينا كانت فتنة للمؤمنين وسطوة للمشركين‏.‏

فاصرف عنا شرها بحولك وقوتك يا ذا الحول والقوة‏!‏ قال‏:‏ وأكثرت من الدعاء رغبة ورهبة إلى الله تعالى ووجهي على التراب‏.‏

فبينا أنا كلك إذ بادر إلي الغلمان يبشروني بالسلامة وأخذوا بعضدي ينهضوني‏.‏

وكنت ثقيلاً من عدة الحديد فرفعت رأسي فإذا السحابة قد زالت عن عسكري‏.‏

وقصدت عسكر الترك وأمطرت برداً عظيماً فإذا هم يموجون وتنفر دوابهم وما وقعت بردة على أحد إلا أوهنته أو قتلته‏.‏

فقال أصحابي‏:‏ نحمل عليهم فقلت‏:‏ لا فإن عذاب الله أدهى وأمر‏!‏ فمات منهم خلق كثير ولم يفلت إلا القليل‏.‏

فلما كان من الغد دخلنا معسكرهم فوجدنا من الغنائم ما شاء الله فحملناها وحمدنا الله تعالى على السلامة‏.‏

بها جبل زانك قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بأرض تركستان جبل به جمع من أهل بيت يقال لهم زانك وهم أناس ليس لهم زرع ولا ضرع وفي جبالهم معدن الذهب والفضة فربما توجد قطعة كرأس شاة فمن أخذ القطاع الصغار تمتع بها ومن أخذ من الكبار يفشو الموت في كل بيت فيه تلك القطعة‏.‏

فإن ردها إلى مكانها ينقطع عنهم الموت ولو أخذها الغريب لا يضره وبها جبل النار هذا الجبل بأرض تركستان فيه غار شبه بيت كبير كل دابة تدخله تموت في الحال لشدة وهج النار في ذلك البيت‏.‏

وبها جبل كيلسيان ذكر صاحب تحفة الغرائب أن بهذا الجبل موضعاً كل طير طار مسامتاً له يقع في الحال ميتاً فيرى حوله من الحيوانات الميتة ما شاء الله‏.‏

وبها جبل ذكره أبو الريحان الخوارزمي في كتابه المسمى بالآثار الباقية‏:‏ إن بأرض الترك جبلاً إذا اجتاز عليه الغنم شدت أرجلها بالصوف لئلا تصطك حجارة فيعقبها المطر‏.‏

وبها معدن البلحش ومعدن اللازورد والبيجاذق من خصائصها المسك الذكي الرائحة والسنجاب والسمور والقاقم والفنك والثعالب السود والأرانب البيض والبزاة الشهب والحجر اليشب والخيل الهماليج والرقيق الروقة‏.‏

وحكى بعض التجار أن بأرض الترك موضعاً يزرع فيه نوع من الحب فيأتي بثمرة كالبطيخ فإذا ظهرت ثمرته يزرع حولها شيء من الحشيش اللين حتى يكون عند إدراك الثمرة الحشيش موجوداً فعند ذلك تنشق الثمرة ويخرج منها رأس حمل ويجعل يرعى من ذلك الحشيش الذي بقربه أياماً حتى يقوى ويخرج من ذلك القشر وقد حدث من رأى من هذا الغنم وقال‏:‏ انه لا يخالف الغنم إلا بطول القوائم وفقد الألية فإن عند أليتها شبه ذنب وتحدث به كثير من تفليس مدينة حصينة لا إسلام وراءها‏.‏

بناها كسرى أنوشروان وحصنها إسحق ابن إسماعيل مولى بني أمية‏.‏

يشقها نهر الكر‏.‏

أهلها مسلمون ونصارى‏:‏ من أحد جانبي الكر يؤذنون ومن الجانب الآخر يضربون بالناقوس وذكروا أن المدينة كانت مسقفة بالصنوبر فلما أرسل المتوكل إليها بغا لقتال إسحق بن إسماعيل خرج إسحق لمحاربة بغا فأمر بغا النفاطين فرموا المدينة بالنار وأحرقوها فاحترقت المدينة كلها لأنها كانت من خشب الصنوبر وهلك خمسون ألف إنسان‏.‏

ومن عجائبها حمام شديد الحرارة لا يوقد ولا يستقى له ماء لأنه بني على عين حارة‏.‏

وذكر بعض التجار أن هذا الحمام يختص بالمسلمين لا يدخله كافر البتة‏.‏

والملة النصرانية بها ظاهرة والمدينة في إيالتهم وبها من الصوامع والبيع والدينار الذي يسمونه بربره وهو دينار حسن مفروغ مقعر عليه كتابة سريانية وصورة الأصنام كل دينار مثقال ذهب جيد لا يقدر أحد على التلبيس به وإنه نقد بلاد الابخاز وضرب ملوكهم‏.‏

ويجلب من تفليس الزئبق والخلنج والعبيد والدواب الفره وأنواع اللبود والأكسية والبسط الرقيقة والفرش والصوف الرفيع والخز وما شابه ذلك‏.‏قصبة ناحية خوارزم‏.‏

مدينة عظيمة مشهورة على شاطيء جيحون من أمهات المدن جامعة لأشتات الخيرات وأنواع المسرات‏.‏

جاء في فضائلها ما ذكره الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ليلة أسري بي رأيت على السماء الرابعة قصراً مزخرفاً حواليه قناديل من نور‏.‏

قلت‏:‏ يا جبريل ما هذا القصر المزخرف قال‏:‏ هذا رباط ستفتحه أمتك بأرض خراسان من مات حول ذلك النهر على فراشه قام يوم القيامة شهيداً‏.‏

قلت‏:‏ يا جبريل ولم ذاك قال‏:‏ لهم عدو يقال له الترك شديد كلبهم قليل سلبهم من وقع في قلبه فزعة منهم قام شهيداً يوم القيامة من قبره مع الشهداء‏.‏

وعن الحسن‏:‏ مدينة بالمشرق يقال لها خوارزم على شاطيء نهر يقال له جيحون ملعون الجانبين ألا وإن تلك المدينة محفوفة مكفوفة بالملائكة تهدى إلى الجنة كما تهدى العروس إلى بيت زوجها يبعث الله تعالى منها مائة شهيد كل شهيد منهم يعدل شهيد بدر‏.‏

 وجرجانية

مدينة عظيمة كثيرة الأهل‏.‏وأهلها كلهم أجناد حتى البقال والقصاب والخباز والحائك‏.‏

وحكي أن السلطان محمد بن تكش أوقع به الخطأ في بعض وقائعه وقتلوا من المسلمين مقتلة عظيمة وما أفلت منهم إلا السلطان في نفر يسير فدخل البلد ليلاً لئلا يرى الناس قلة عدده وأهل جرجانية كلهم معتزلة والغالب عليهم ممارسة علم الكلام حتى في الأسواق والدروب يناظرون من غير تعصب بارد في علم الكلام‏.‏

وإذا رأوا من أحد التعصب أنكروا عليه كلهم وقالوا‏:‏ ليس لك إلا الغلبة بالحجة وإياك وفعل الجهال‏!‏ وأهلها أهل الصناعات الدقيقة كالحداد والنجار وغيرهما فإنهم يبالغون في التدقيق في صناعاتهم والسكاكون يعملون الآلات من العاج والآبنوس لا يعمل في غير خوارزم إلا بقرية يقال لها طرق من أعمال أصفهان‏.‏

ونساؤها يعملون بالإبرة صناعات مليحة كالخياطة والتطريز والأعمال الدقيقة‏.‏

وحكي أن السبب في بناء هذه المدينة أن بعض الملوك غضب على جمع من أصحاب مملكته فأمر بنفيهم إلى موضع بعيد عن العمارات فنفوهم إلى هذا المكان وتركوهم وكان موضعاً منقطعاً عن البلاد لا زرع به ولا ضرع‏.‏

فلما كان بعد مدة جرى ذكرهم عند الملك فأمر بكشف خبرهم فجاؤوا إليهم فوجدوهم قد بنوا أكواخاً ويتقوتون بصيد السمك وكان عندهم حطب كثير فقالوا لهم‏:‏ كيف حالكم قالوا‏:‏ لنا هذا السمك وهذا الحطب‏.‏

فسمي الموضع خوارزم لأن بلغتهم خوار اللحم ورزم الحطب فبعث الملك إليهم أربعمائة جارية من سبي الترك على عدد الرجال المنفيين فتوالدوا وتناسلوا فلهذا ترى صورهم صور الأتراك وطباعهم طباع الترك‏.‏

وفيهم جلادة وقوة فعمروا ذلك الموضع حتى صار من أحسن بلاد الله تعالى وأكثرها عمارة حتى لم ير بها خراب فإنها معما هي عليه من سباخة أرضها وكثرة برودها متصلة العمارة متقاربة القرى كثيرة القصور والبيوت وقلما يقع النظر في رستاقها على أرض لا عمارة فيها هذا مع كثرة الأشجار‏.‏

والغالب عليها التوت والخلاف لأجل دود القز فإن لهم يداً باسطة في تربيتها والخلاف لأجل العمارات فإن عماراتهم من الاخصاص والخلاف لأن أرضها كثيرة النزور لا تحتمل البناء الثقيل فإن الماء ينبع إذا حفرت ذراعين‏.‏

وبها زحمة وغلبة شديدة من كثرة الناس حتى لا فرق بين أسواقها ورستاقها على المارين‏.‏

وأما البرد فإنه شديد عندهم جداً حتى ان الإنسان إذا أراد إكرام غيره يقول‏:‏ بت عندنا فإن عندنا ناراً طيبة‏!‏ وقد لطف الله تعالى بهم برخص الحطب يكون حمل عجلة بدرهمين‏.‏

والغريب إذا خرج من بيته أول النهار مكشوف الوجه يضرب البرد وجهه فيسقط أنفه‏!‏ وأما أهل المدينة فقد عرفوا ذلك فلا يخرجون إلا مستوري الوجه‏.‏

ومن عجائبها زراعة البطيخ فإن المدينة تحيط بها رمال سائلة ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً شبه الرمال التي دون ديار مصر تنبت شوكاً طويل الإبر يقال له بالعجمية اشترغاز وهو الشوك الذي يقع عليه الترنجبين بأرض خراسان فإذا كان أوان زرع البطيخ يذهب أهل خوارزم إليها ويحجر كل أحد قطعة من الأرض أي مقدار شاء لا ملك لأحد فيها ويشق أصول هذا الشوك وقضبانه ويدع فيها بزر البطيخ ويتركها فإن البزر ينبت فيها بنداوة الشوك ولا يحتاج أصحابها إلى السقي ولا إلى شيء من أعمال الزراعة‏.‏

فإذا كان أوان البطيخ ذهبوا إليها ورأوا وجه الأرض ممتلئاً من البطيخ الذي لا يوجد مثله في شيء من البلاد حلاوة وطيباً ويكون رخيصاً جداً لكثرته وقلة مؤونته وقد يقدد ويحمل إلى البلاد للهدايا‏.‏

جنبذق قرية من أعمال المراغة بينها وبين قلعة روين دز فرسخ‏.‏

بها بئر عجيبة يخرج منها حمام كثير فنصب على رأس البئر شبكة يقع فيها من الحمام ما شاء الله وهي بئر لا يدرى قعرها حكى بعض فقهاء المراغة أنهم أرسلوا فيها رجلاً ليعرف حال الحمام فنزل حتى زادت الحبال على خمسمائة ذراع ثم خرج فأخبر أنه لم ير شيئاً وأحس بهواء قوي ورأى في آخرها ضوءاً وشيئاً كثيراً من الحيوانات الموتى‏.‏

 جنزة

بلدة حصينة قديمة من بلاد أران من ثغور المسلمين لقربها من الكرج وهي مدينة كثيرة الخيرات وافرة الغلات‏.‏

أهلها أهل السنة والجماعة أهل الصلاح والخير والديانة ولا يتركون أحداً يسكن بلدهم إذا لم يكن على مذهبهم واعتقادهم حتى لا يشوش عليهم مذهبهم واعتقادهم‏.‏

والغالب عليهم ممارسة السلاح واستعمال آلات الحرب لكونهم في الثغر بقرب أرض الكفار‏.‏

بها نهر قردقاس جيئه من حاجين ولاية الكرج يجري ستة أشهر وينقطع ستة أشهر ومجيئه وقت معلوم وانقطاعه كذلك‏.‏

ولأهلها يد باسطة في تربية دود القز وعمل الابريسم وابريسم جنزة يفوق ما لغيرها من البلاد حسناً‏.‏

وفي نفس المدينة قناة ينزل إليها من طريقين‏:‏ أحدهما موضع يعرف بباب المقبرة والآخر بباب البردعة‏.‏

يؤخذ الماء من باب المقبرة ويجذب به الابريسم تزيد قيمته على الابريسم الذي يجذب بماء باب البردعة وإن حملوا ماء باب المقبرة إلى باب البردعة لا يفيد شيئاً وإن حملوا ماء باب البردعة إلى باب المقبرة يفيد ويخرج ابريسمه جيداً‏.‏

وبها قلعة هرك على مرحلة منها‏.‏

حولها رياض ومياه وأشجار‏.‏

هواؤها في الصيف طيب يقصدها أهل جنزة في الصيف‏.‏

لكل أهل بيت فيها موضع يقيم فيه حتى تنكسر سورة الحر ولأعيان جنزة بها دور حسنة‏.‏وإنها على نهر يقال له دروران والنهر ينزل من جبل يسمى مرا ولا يزال عليه الضباب وهو شامخ جداً‏.‏

وذكروا أن كل من علا القلعة يرى الجبل ومن علا الجبل لا يرى القلعة وعلى هذا الجبل شجرة لها ثمرة يقال لها الموز ليس في جميع الدنيا إلا بها وهي شبيهة بالتوت الشامي إلا أنها مدورة تنفع من أمراض الكبد‏.‏

وعلى طرف دروران صخرة عظيمة مدورة شبه قلعة تسمى سنك نيم دانك تصيبها نداوة مثل الصدإ تخضب بها الأطراف تفعل فعل الحناء ومن العجب أن هذه النداوة لا تعلم هذا العمل إلا إذا كان المختضب جالساً عليها فإن حمل إلى موضع آخر لم يفد شيئاً‏.‏

وذكر أن الناس يحملون العرائس إليها إذا أرادوا أن يخضبوا أطرافهن‏.‏

ويجلب من جنزة إلى سائر البلاد الابريسم الجيد والأطلس والثياب التي يقال لها الكنجي والعجم يسمونها القطني والعمائم الخز ونحوها‏.‏

ينسب إليها أبو ممد النظامي‏.‏

كان شاعراً مفلقاً عارفاً حكيماً‏.‏

له ديوان حسن وأكثر شعره إلهيات ومواعظ وحكم ورموز العارفين وكناياتهم‏.‏

وله داستان خسرو وشيرين وله داستان ليلى ومجنون وله مخزن الأسرار وهفت بيكر‏.‏

ولما نظم فخري الجرجاني داستان ويس ورامين للسلطان طغرلبك السلجوقي وإنه في غاية الحسن شعره كالماء الجاري كأنه يتكلم بلا تعسف وتكلف أراد النظامي داستان خسرو وشيرين على ذلك المنوال وأكثر فيها من الإلهيات والحكم والمواعظ والأمثال والحكايات الطيبة وجعله للسلطان طغرل ابن أرسلان السلجقوي وكان السلطان مائلاً إلى الشعر والشعراء فوقع عنده موقعاً عظيماً واشتهر بين الناس وكثرت نسخه‏.‏

وأما داستان ليلى ومجنون فطلب منه صاحب شروان فقد نظمها له وكان في فنه عديم النظير‏.‏

توفي بقرب تسعين وخمسمائة‏.‏